محمية وادي الحجير تستهدفها عدة مخالفات تشويهية يجب ضبطها وتنظيمها
رحاب عطوي
عن هجْمة الاستثمار الواقعة ضمن أراضي محميّة وادي الحجير والمتمثلة بالمؤسسات السياحيّة، التي أقيمت هناك، هنا تحقيق يلقي الضوء على هذه المسألة: بعد عدوان الصهيوني في تموز 2006، تُركَ وادي الحجير والأحراج المحيطة به في عهدة الأهالي والدولة. أتى دور بلديات المنطقة وفاعلياتها، بوضع خطة عاجلة لحمايته من التعديات، في العمران والاستثمار التجاري والسياحي العشوائي واستصلاح، الأراضي الزراعية، فكان مشروع إعلانه محميّة طبيعية.
أوّلاً سنذكّر بحدود المحميّة والقوانين المتعلّقة بالمؤسسات السياحية الواقعة ضمنها. تنشأ المحمية من مجرى نهر الليطاني في قعقعية الجسر أسفل مدينة النبطية حتى بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل، حدود قرى القنطرة وعلمان والغندورية ومجدل سلم وقبريخا وتولين والطيبة. أهداف إنشاء المحمية، ورد في إحدى بنودها التالي: • الحفاظ على الثروة والموارد الطبيعية من تربة ونظام بيئي ومصادر مياه عذبة، بما يضمن حمايتها من التلوّث والتدهور الناتج عن العوامل الطبيعية واستخدام الإنسان، وإدارتها وصيانتها بشكل سليم، والإفادة منها للسياحة البيئية المنظّمة، بما لا يتعارض مع الحفاظ عليها وحمايتها. • يُمنع القيام بأي عمل أو تصرّف يخلّ بتوازن المحمية الطبيعية لا سيّما: - إشعال النار أو حرق الأعشاب وغيرها من النبات أو النفايات الطبيعية المتواجدة في المحمية وكذلك على أقل من /300/ متر من حدودها. - كل عمل آخر يضرّ بالمحميّة أو يشوّه المناظر الطبيعية أو يتلف مواردها. • المادة الخامسة ورد في إحدى فقراتها: - كل من كسر أو أتلف أو أزال التخوم أو علامات الحدود يعاقب بالغرامة من مئة ألف ليرة إلى مليون ليرة لبنانية وبالحبس من خمسة عشر يوماً إلى ستة أشهر. - كل من أشعل النار في المحمية يعاقب بالحبس من شهر إلى سنتين وبغرامة تتناسب مع الأضرار الحاصلة تقدّرها المحكمة المختصة. - في حال وجود عقوبتين للجرم نفسه في نصوص مختلفة تُطبّق العقوبة الأشدّ. لكن رغم صدور قانون المحمية بدأت تقام المؤسسات السياحية الخاصّة، والمنتزهات العامّة، من تقاطع وادي جسر القعقعية، إلى آخر خط وادي الحجير، وهي وسط المحميّة، حيث تُسمّى بمنطقة "العتمة" نظراً لكثافة الشجر. مشاريع ضخمة ومتوسّطة أقامها مستثمرون. الكثيرون من الزوّار يأتون من مناطق مختلفة، خصوصاً من منطقة صور، وكثير من عابري السبيل في الوادي تلفتهم تلك المؤسسات فيتوقفون للاستراحة أو للسؤال، ثمّ يعودون في مرّات أخرى. وتستقبل هذه المؤسسات جميع المناسبات والاحتفالات والندوات والمؤتمرات والإفطارات والأعراس، وساهمت إلى حدّ جيد بتأمين فرص عمل لأبناء تلك المنطقة وغيرها. كما ويقصدها كثيرون ممن تتعطّل سياراتهم في الوادي ليلاً. إذاً هي ليست مطلوبة فقط بل هي حاجة، وتساهم في تعزيز الواقع الاقتصادي والاجتماعي والإنمائي والسياحي لمحيط تلك القرى. لكن هناك بعض الأخطاء يجب تداركها "لكلّ من خالف".. فهل بناء تلك المؤسسات متوافق مع تراث بيئتها؟ هل هناك قانون إستثمار يحكم المستثمرين ويحدّد لهم مساحة الاستفادة من الأراضي خاصّتهم؟ وهل المنشآت مطابقة لقانون "الاستثمار" بالمحميّة؟ هل من بُنى تحتيّة "لهنغارات" العمّال في أراضي المحميّة وأين تُرمى النفايات؟ وأصلاً هل من بنى تحتية في المحمية؟ على من تقع مسؤولية تنظيم ومراقبة وإدارة عملية انتشار هذه المؤسسات؟
شروط بيئية غائبة قمنا بزيارة إحدى البلديات وسألنا عن واقع المؤسسات السياحية في هذه المنطقة، وعن مطابقتها ومراعاتها للقوانين والشروط المذكورة. أجابنا المصدر البلدي مؤكّداً "المؤسسات السياحية مطلوبة ومهمّة، على صعيد إنماء اقتصاد تلك المناطق، لكنّها تحتاج إلى قانون لتنظيمها. والمؤسسات الموجودة حالياً لم تستوفِ الشروط البيئية السليمة، وتتعدّى على الوادي من ناحية تجميع النفايات والصرف الصحي". ولفت المصدر إلى نقطة في غاية الأهمية على أنّ "هناك غياباً لـقانون "شراكة" بين البلديات وبين المحميّة، فالمحميّة موجودة لوجستيّاً بأراضي يملكها أشخاص والبلديات، ولكي تستطيع المحمية تطبيق قانونها يجب وجود هذه الشراكة، لأنه من خلال وجود هذه الشراكة تستطيع لجنة "محميّة وادي الحجير" أن تفرض على السلطات تنظيم إعطاء التراخيص وقمع المخالفات". أمّا الدكتور المهندس محمود شرف الدين، أستاذ العمارة في الجامعة اللبنانية فقد أشاد بإنجاز اتحاد بلديات جبل عامل حيث قال أنّ" اتحاد بلديات جبل عامل هو من أهم وأنشط الاتحادات، جدّيون بعملهم وواعون لما ينجزون. وبفضل مساعيهم ومساعي نوّاب المنطقة، استطاعوا أن يحصلوا على استصدار قانون المحميّة ومن الجيد أنهم فعلوا ذلك.."
حاجة بيئيّة واعتبر شرف الدين "الاستثمار الاقتصادي "غير الموجّه" أنه من طبيعة غالبية مجتمعنا اللبناني، بهدف جني الفوائد وهو مستعد لاستحضار فتاوى تتيح له ذلك". واصفاً وظيفة المحميّة على أنّها " بالدرجة الأولى هي حاجة للحفاظ على هذه البيئة الجميلة جداً في المنطقة ككل، ربما هي من أهم الجغرافيات الطبيعية الموجودة في منطقة الجنوب". وعن اكتشافه للشق الثاني من المحميّة شارحاً "أنا شخصيّاً تعرّفت على الشق الثاني من المحميّة بعد 2006 أي من جسر وادي الحجير وصعوداً. وعندما زرتها بعد تعبيد الطريق فوجئتُ أنّ هذه المنطقة بعيدة فقط عن ضيعتي 10كلم، فوجئتُ بجمالية التكوين الطبيعي، من تضاريس ونوع الشجر". الدكتور شرف الدين أبدى قلقه على المحمية حيث قال" من عام 2006 بدأت أشعر بالقلق على هذه الجمالية من هجمة المستثمرين أو ممن يريد الإستفادة من موقعها ومحيطها وطريقها، إلى أن تدخّل اتحاد البلديات وطالب باقرار القانون". وأضاف"هنا يُطرح السؤال؛ هل المحميّة هي فقط طريق وشجر ووديان أم هي إضافة لذلك قيمة بيئية تحاكي أحاسيس الناس للشعور بجماليتها ؟" وقد أكّد أنّ "من صاغ قانون المحمية، ركّز على السياحة البيئية المنظّمة وعلى النشاطات الإقتصادية التي لا تؤذي البيئة". وشدّد الدكتور شرف الدين إنّ "ما أُنشئ من مؤسسات سياحية تخدم المنطقة، ونحن بحاجة لها من الناحية الوظيفية، والمقصود بذلك هي المؤسسات التي تستوعب الناس بأوقات الاستراحة وأوضح شارحاً أنّ" قبل وجود تلك المؤسسات كان الوضع أكثر خطورة على البيئة، فالعائلات كانت تقصد ذلك المكان لتقضية الوقت مع كل الأدوات اللازمة، وبعد الإنتهاء من يومهم كانوا يتركون جميع المخلّفات وبقايا الأطعمة وأمكنة مواقد النيران، وحدث واشتعلت النار بأكثر من مرّة بين وادي القعقعية ووادي الحجير بشكل كبير". وأوضّح "مع وجود هذه المؤسسات تم استيعاب قسمٍ لابأس به من المتنزهين وانحصرت زياراتهم، فلم تعد تستعمل القسم العلوي من حدود جسر الحجير وصعوداً تجاه عيترون. بل لجأ قسم آخر للجلوس عند مطاحن الحجير الذي لا يتضمن أحراشاً وبالتالي تقلّصت نسبة الحرائق".
خطأ في ترجمة فكرة وعن دور المؤسسات السياحية يشرح "نأتي إلى المؤسسات السياحية، نحن نريد هكذا مؤسسات، لكن هناك قوانين يجب الالتزام بها وليس مسموحاً لأحد التعدّي عليها. فهي بشكل مباشر مخالفة "بشكلها"، لأن قانون المحمية يقول " يريد منشآت لا تتعارض مع الحفاظ على البيئة وحمايتها. نعم، من حاول مشكورا أن تكون عمارته مندمجة مع الطبيعة، فعمل على إيجاد جلسات داخل الطبيعة، وبعضهم استخدم كميّة كبيرة من الباطون وكان عليهم أن يبتعدوا عن استخدام المساحات الكبيرة من البلاط والباطون. هم باعتقادهم أنهم لو استخدموا الحجر في البناء فهم يتعايشون مع عمارة التراث والبيئة. وقد أخطأوا في ترجمة هذه الفكرة خاصّة في أرض كالمحميّة، فالعمارة العضوية التي تتماشى مع البيئة يجب أن تكون بتصاميم مختلفة وأقل "قساوة". أعتقد أنّ بعض الأبنية الموجودة هناك قد قست على الطبيعة". وهنا ذكّر وشدّد الدكتور شرف الدين "أُعيد وأذكّر أنّنا في حاجة لوجود هكذا مؤسسات، ما هو مخالف هو "حجم البناء" وليس وجود المؤسسات السياحية، وعلى التنظيم المدني والبلديات المعنية أن يحدّدوا ما إذا كانت المنشآت مطابقة لقانون "الاستثمار" بالمحميّة". وعن سؤال على من تقع المسؤولية، في تطبيق قوانين المحميّة المتعلّقة بالمؤسسات السياحية يُجيب: "هو دور اتحاد بلديات جبل عامل والبلديات المعنية بالتنسيق، مع دائرة التنظيم المدني بمراقبة وإدارة عملية انتشار هذه المؤسسات، وهو يحدّد ما إذا كانت تراخيص البناء خاصتهم والانشاءات اللاحقة هي مطابقة لـ "قانون الاستثمار" الخاص بالمحميّة.. فلا يجب السماح لأي أحد، يرغب ببناء واستثمار ما يريد وكيفما أراد بشكل عشوائي وإلاّ سنخسر كثيراً".
مخالفات كارثية على المحميّة وعندما سألناه عن المخالفات الحاصلة كمشكلة النفايات والصرف الصحي وعن احتمال افتتاح ملحمة، فأجاب مستنكراً بشدة " أنّ هذه فعلاً "كارثة" وخرقاً واضحاً وفاضحاً لقوانين المحميّة، بالنسبة للصرف الصحي إذْ ثمّة أذًى التربة ومجرى مياه الحجير بشكل أوّلي، إذْ يفترض "معالجة" المياه الناجمة عن عملية صرف الصحي، أمّا فكرة افتتاح ملحمة فلا خطر في ذلك، إن لم يتمّ الذبح في أراضي المحميّة وإلاّ فهذه مشكلة كبيرة". وحول شروط الإستثمار وضّح الدكتور شرف الدين "عادة كل قانون يتبعه مراسيم تنظيمية، وهي تحدد الشروط التفصيلية لتطبيق القانون. ففي هذه المراسيم تتحدّد شروط البناء وشروط الإستخدام والاستعمال والاستثمار، وهذا ليس واضحا في قانون المحميّة". مع الإشارة الى أن هناك بند في قانون المحمية يورد أشكال العقاب والغرامة والحبس، ولا يوضح التفاصيل التي تُطبّق فيها هذه الشروط وفي أي حالة".. على اتحاد البلديات المطالبة بالمراسيم التنظيمية، لمراقبة وضبط عمليات البناء الـ"مُخصّصة" للاستثمار. وإذا لم توجد هذه المراسيم، سيلجأ المالك لاستعمال حقه بالترخيص، بناء لما هو محدد في شروط البناء للأراضي غير المُصنّفة". متابعاً "لنفترض أنّ المحمية أصبحت خارج النطاق الجغرافي الإداري للبلديات، ولا أعتقد ذلك، عندها ستكون المسؤولية من ضمن صلاحيات لجنة محميّة وادي الحجير الطبيعية، اتحاد بلديات جبل عامل، لأنّه هو المسؤول عن تطبيق هذا القانون، وعن إدارة ما هو خارج نطاق البلديات، واللجنة عادة تكون مؤلّفة من رؤساء البلديات المعنية". وعن التشارك في حماية هذه البيئة المميزة أضاف" أنّ لكل منّا مسؤوليته عن ذلك، بالدرجة الأولى يأتي الوعي العام ثمّ البلديات المعنية المسؤولة واتحاد البلديات، والـ"NGOs" أي المنظمّات غير الحكومية، عبر عمل إعلامي منظّم وفاعل، لكي يتعرّف المجتمع على أهمية هذا الحيّز الجغرافي الطبيعي المميز، ويستفيد المستثمر أيضاً ضمن شروط حماية البيئة". وختم قائلاً "لا بدّ أخيراً من التنويه بدور نوّاب المنطقة الذين جهدوا في العمل على استصدار القانون، وهم مدعوّون دائما لمتابعة الحفاظ على هذه الثروة الهامّة، من خلال حثّ السلطات المعنية للقيام بدورها كذلك". قضية عشوائية المؤسسات السياحية لا تنتهي عند هذا الحدّ، بل لها تتمة تبدأ مع موقف ودور الأحزاب المحلية مما يحصل.