من غير المعروف بالتحديد كم استغرق الأمر من الوقت لإدراك أهمية إدراج منطقة وادي الحجير على لائحة المناطق المحمية في لبنان، ومن المرجح أن أول ما ظهر للعلن حول واقع المنطقة وبيئتها المميزة كان بعد عدوان تموز 2006 وتحديداً بعد معركة الدبابات الشهيرة. ومع هذا كان على الوادي أن ينتظر أربع سنوات إضافية ليتم إقرار القانون الرقم 121 الرقم 36 تاريخ 29/7/2010 «المتعلق بإنشاء محمية وادي الحجير في الجنوب».
صدر القانون ليضيف إلى المساحات المحمية في لبنان أكثر من 1555 هكتارا هي من بين تلك الأجمل والأروع على الإطلاق. حدودها من الشمال إلى الجنوب من مجرى نهر الليطاني في قعقعية الجسر أسفل مدينة النبطية حتى بلدة عيترون في قضاء بنت جبيل، ومن الغرب بلدات القنطرة، علمان، الغندورية، مجدل سلم، قبريخا، تولين والطيبة.
لكن القانون لم ينصف المنطقة كما يجب، فقد صدر من دون أن يرفق معه خريطة تبين الحدود الفعلية للمحمية خاصة أن أراضيها ليست كلها من الأملاك العامة أو أملاك المشاعات، بل ان من ضمنها أملاكا خاصة بدأ أصحابها بالبناء وإقامة المشاريع الاستثمارية المختلفة، مع التحفظ عن بعض المشاريع التي بُنيت والتي شوهت خصوصية المكان!
الإجحاف القانوني
شابت نصوص القانون ثغرات عدة أبرزها ما ورد حول العقوبات التي تترتب على انتهاك خصوصية المحمية لجهة الصيد أو قطع الأشجار. فحكمت «بمصادرة الأعشاب والحطب المقطوعة وبيعها بالمزاد العلني والحكم على المخالفين بالسجن من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تصل إلى 2.5 مليون ليرة عن كل شجرة مقطوعة و50 ألف ليرة عن كل كيلو غرام من الحطب».. كما نص القانون على أن «عقوبة إشعال النار تتراوح بين السجن شهر كحد أدنى إلى سنتين، إضافة إلى غرامة تقدرها المحكمة المختصة». كذلك منع القانون الصيد وإشعال النيران إلا في حدود 300 متر من حدود المحمية.
هذه النصوص جميعها هي قمة الإجحاف وذلك للأسباب التالية:
1 ـ إن قيمة الشجرة ليست في كونها خشباً تمكن الاستفادة منه للأغراض المتعددة، إنها كائن حي وهي في هذه المنطقة جزء من تاريخ وتراث، فعلى سبيل المثال لا يمكن تصور أن عقوبة قطع شجرة الملول في بلدة عدشيت القصير التي يزيد عمرها عن 500 عام يمكن أن تصل إلى 2.5 مليون ليرة. إن قطعها خسارة لا يمكن تعويضها بأي شكل، إنها «تركة» ثمينة تفترض حمايتها بالفعل.
2 ـ هناك أنواع من الأشجار مثل «الحور» يحتاج إلى سنتين ليصبح طوله حوالي مترين، بينما أشجار مثل السنديان أو البطم أو الملول تحتاج إلى عشرين سنة، على الأقل لتصبح بنفس الطول، وبالتالي لا يمكن النظر إلى أنواع الشجر في موضوع العقوبات والغرامات على نحو متساوٍ.
3 ـ يفرض القانون عقوبات غير رادعة تماماً على مشعلي النار، وهو يمنع الصيد في نطاق المحمية، لكن يبدو أن لجنة «المتطوعين» المقررة بالقانون والتي هي قيد الإنشاء حالياً، سيوكل إليها أمر متابعة شؤون المحمية، لكنها لن تكون قادرة وحدها، بالنظر إلى عدد أفرادها المحدودين، على ضبط ومتابعة كل المخالفات التي يمكن أن تحصل. من هنا أهمية أن تكون المنطقة في حمى كل الأهالي وذلك كجزء من ثقافة عامة ينبغي تعميمها.
أسئلة إضافية
ماذا لو تم وصل طريق وادي الحجير - السلوقي وشقه عبر المشاعات لوصله ببلدة عيترون وصولاً إلى بنت جبيل؟
عملياً سوف يفتح هذا الطريق شهية المستثمرين من أصحاب الأملاك الخاصة أو حتى من أصحاب النفوذ على البناء في مناطق جديدة كيفما كان، خاصة مع ملاحظة بعض حالات التغاضي عن الضوابط المفترض اتباعها ضمن أنظمة البناء: سوق الأحد في وادي القنطرة على سبيل المثال.
عملياً أيضاً، سوف يساهم الطريق في رفع القيمة العقارية لأراض هي في الأصل «محمية»، لا لسبب سوى أن الطريق الجديد سوف يُسهّل الوصول إلى حيازات لم يكن الوصول إليها ممكناً قبل هذا، وكما هي الحال في كل لبنان فإن هاجس التطوير العقاري سوف يُعمي أبصار الكثيرين عن الميزة المتقدمة والتفاضلية للمنطقة لكونها مشمولة بمشروع الري من الليطاني على المنسوب 800 متر.
ماذا لو قام العدو بالاعتداء مجدداً على المحمية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر قطع الأشجار، او احراق المحمية أو جزء منها، او عبر رمي قنابل عنقودية.. الخ. إن القانون الحالي لا يشير إلى الإجراءات أو الجهات المعنية التي يمكن أن تتخذ المبادرات بهذا الشأن.
ماذا لو تساهل رؤساء البلديات وغضوا النظر عن مخالفات البناء خاصة منها أبنية المصانع بحجة تشجيع المشاريع الاستثمارية واستقطاب رؤوس الأموال؟ ترى هل سنجد جمعية بيئية تتصدى لرفع الصوت أمام المحاكم المختصة؟
لعله من الأجدى دائماً أن نتذكر قول الإمام علي (ع): رفع الضرر أولى من جلب المنفعة.
من أين البداية
إن المطلوب من البلديات واتحاد البلديات أمور عدة، بعضها يتطلب إجراءات ومعاملات معقدة لكن بعضها الآخر يمكن المباشرة به فوراً. على أن أبرز الأعمال المطلوبة هي التالي:
1 ـ وضع خريطة تبين الحدود الفعلية للمحمية ومساحتها الإجمالية وبالتالي وضع الإطار العام لحدود العمل ولحدود التعاون المطلوب بين كل البلدات المشتركة في نطاق المحمية.
2 ـ وضع الأسس العملية لإعداد مخطط توجيهي خاص بالمحمية يقوم على:
ـ تحديد المساحات الفعلية التي يمكن السماح فيها بالتخييم في أراضي المحمية أو زيارة المطاعم والاستراحات، رعي الأغنام والماشية...الخ
ـ وضع خطة للاستثمار في توضيب بعض الأعشاب والنباتات الطبية أو العطرية التي يمكن الاستفادة منها والتي لا تنبت إلا في منطقة الوادي. كما يمكن الاستفادة من ناتج عمليات تشحيل الأشجار الميتة في حماية الوادي من الحرائق.
ـ تحديد الأماكن التي يسمح فيها لرواد الوادي بإشغال النار ووضع الأسس التي تكفل الحد من انتقال النار.
3 ـ تحديد مجموعة النقاط التي وردت الإشارة إليها في قانون المحمية التي يمكن السماح بالصيد البري منها حتى حدود 300 م، وكذلك الأوقات والمناسبات المسموح فيها لذلك.
4 ـ التعاون مع لجنة خبراء للكشف على أنواع الأشجار الموجودة في الوادي وتصنيفها وتوثيقها ضمن مجموعات: بحسب العائلة، والنوع والعمر والندرة والانتشار وغيرها .. الأمر الذي يساهم في تحديد عمليات التمويل المستقبلية المطلوبة لعملية الحماية في حال حدوث أمراض تطال تلك الأنواع أو حدوث اعتداءات على الوادي.
5 ـ متابعة أعمال تطهير المحمية من القنابل العنقودية.
6 ـ وضع خطة متكاملة للاستثمار السياحي في الوادي ضمن الإطار المسموح به في المخطط التوجيهي لترتيب الأراضي اللبنانية، تشمل تنفيذ العديد من المشاريع منها على سبيل المثال إقامة:
ـ مركز ومعرض لمنتجات المحمية (عسل وغيره).
ـ مرصد لمراقبة الطيور المهاجرة.
ـ منشآت لأهداف السياحة البيئية والسير في الجبال تتضمن مركزاً لمراقبة الأحراج.
ـ مشاتل حرجية وغير حرجية (زعتر، نباتات طبية وعطرية، زيتون..)
ـ مركز لمعالجة حيوانات المحمية المريضة أو المصابة... الخ.
7 ـ اقتراح إجراء دراسة قانونية تطال إمكانية وضع إشارة «موقتة» على السجل العدلي للفرد/ الأفراد المخالفين قوانين المحميات، وهو ما يمكن أن يشكّل عاملاً رادعاً. كما تقترح الدراسة إمكان تحديد القيمة المالية للغرامات من خلال ربطه بسلم متحرك لعدد من المتغيرات منها: الحد الأدنى للأجور، عمر الشجرة ونوعها، الحيوان وفصيلته... الخ.
وادي الحجير- السلوقي محمية طبيعية؟ نعم هي كذلك، لكنها أيضاً تاريخ فيه نضالات السيد عبد الحسين شرف الدين، وأمجاد وبطولات المقاومين، هي متحف، هي آية يجب أن نتجند جميعنا لحمايتها.
القسم : بيئية - الزيارات : 2978 - التاريخ : 23/8/2012 - الكاتب : مها لطف جمول- السفير